تعرف علي المدن الملكية في المغرب.. سفر بعبق التاريخ والتراث

إرث يفوق عمره الألف عام، يُمكنك العيش بين ثناياه خلال سبعة أيام. من فاس إلى مراكش، مروراً بالرباط ومدن أخرى في رحلة تقف فيها على فخامة التاريخ الأصيل، وعظمة الحاضر المُعاصر، بلمسة فريدة، تجعل من المغرب وجهة سياحية جذابة ومُمتعة.

فاس.. أرض الثقافة والعلاج

يقول عنها الصوفية “فاس، والكُل في فاس”، وكذلك كان. فالمدينة الضارب تاريخها في القدم، جمعت ما تفرق على غيرها، فيها الثقافة والعلم، والطبيعة والفنون بشتى أنواعها.

في فاس، التي أسسها المولى إدريس الأكبر في العام 172 هجرية، الموافق 789 ميلادية، درس جُل علماء البلاد، ومر عليها من يُشهد بباعهم الكبير في العلوم الشرعية في العالم العربي.

بها مسجد القرويين، وعشرات المدارس الدينية العتيقة، تضم قبور المرينيين ومتحف النجارين، ومنها تُدبغ أجود الجلود في المغرب، ولا تكتمل الزيارة إلى بالاسترخاء في حمامات مولاي يعقوب، ذات المياه الكبريتية العلاجية.

لا تستوي زيارة فاس، إلا إذا انطلقت من المدينة العتيقة، بين حواريها الضيقة، تجد المدرسة البوعنانية بجدرانها المغلفة بأخشاب الأرز المزركشة بنقوش أصيلة.

بُنيت المدرسة البوعنانية في الفترة ما بين 1350 و 1357، هي أكبرمدرسة علمية عتيقة في فاس. وهي اليوم محج الباحثين عن العلوم الدينية، والمولوعين بالعمارة العربية القديمة، خاصة المنتمية إلى عهد المرينيين.

المدرسة البوعنانية، ليست وحدها في فاس، ففي المدينة موروث ثقافي وتاريخي، جعل منها عاصمة ثقافية للبلاد، عن جدارة واستحقاق، خاصة وأن مدارسها التقليدية مختلفة التخصصات، من علوم تقليدية، إلى الرياضيات والنحو والتاريخ وعلم الفلك والطب وغيرها من المعارف الكلاسيكية الأخرى.

كما أن بالمدينة، أقدم مدرسة وهي جامعة أو جامع القرويين، والتي تُعد أقدم حرم جامعي في العالم أجمع، أسست في أواسط القرن التاسع، وبها درس جهابدة الفقه والعلوم الإسلامية، من المغرب والعالم.

ولأنها لم تكن مركزاً علميا فقط، فبفاس، وبالضبط مدينتها العتيقة، أحياء تُعتبر مرجعاً للصناعة التقليدية، من ساحة الصفارين والنحاسين، إلى غاية حي الدباغين، المكان الأندلسي، ومركز الدباغة في المغرب.

كُل هذه المرافق، التي تحمل حقباً تاريخية مُختلفة، وممتدة عبر قرون عدة، يُمكنك زيارتها، والاستمتاع بجمالها خلال يوم واحد فقط، قبل الانطلاق نحو الوجهة الثانية، مدينة مكناس، لكن قبل ذلك من الضروري أن تُنهي يومك بحمام ساخن، في المياه الكبريتية لحامات مولاي يعقوب.

مكناس.. مدينة الزيتون والطبيعة الخلابة

بعد أقل من ساعة عبر الطريق السيار، ستصل مكناس، التي لا يرتبط اسمها بالزيتون وزيته فقط، بل بالأصالة المغربية لباساً وعمراناً وثقافة.

بمدينة مكناس العتيقة، يُحيط سور تاريخي، كُل شبر منه يحكي قصة وأمجادا عديدة، وخلفها تمتد مساحات طبيعية رائعة لعشاق المغامرة، والطبيعة.

تُصنف ضمن قائمة التراث العالمي للإنسانية لليونسكو، لما تضمه من معمار تاريخي ومواقع ضاربة في القدم.

تبدأ الزيارة بساحة الهديم، التي تأخذك إلى باب المنصور، وعبره تدلف إلى المدينة القديمة، حيث روائع الفن الإسباني والأندلسي، وقبلهما الروماني. ومعلمة تاريخية تستهوي عشاق المغامرة والغموض، “حبس قارا” ذلك السجن الذي لم ينجح أحد في الفرار من سراديبه.

قبل مغادرة المدينة نحو العاصمة الرباط، احرص على اقتناء بعض التذكارات من مزهريات وصحون فخارية مزركة، وأساور فضية منقوشة بحرفية ودقة، ومعما بعض القطع من اللباس التقليدي المصنوع ببراعة.

وبعد مُغادرتها، لا ضير في جولة سريعة في نواحي المدينة، تقودك إلى وليلي المدينة الرومانية التي تعود للقرن الثالث قبل الميلاد، وما يُحيط بها من مناظر خلابة تبعث الراحة والطمأنينة في النفس.

الرباط..مدينة الأنوار باب الحاضر نحو الماضي

أياً كانت وسيلة النقل التي جئت بها إلى الرباط، سيارة أو حافلة أو حتى القطار، سيستقبلك أعلى برج في إفريقيا، عالٍ شامخ، كأنه حارس المدينة المغوار، هو برج محمد السادس، ينتصب وسط هضبة يخترقها نهر أبي رقراق، ويقودك إلى عاصمة المملكة، الرباط. مدينة الأنوار وباب الحاضر نحو الماضي.

يُسلمك برج محمد السادس، والمسرح الكبير إلى مسجد حسان، وبه جثامين الملكين الراحلين، الحسن الثاني، ووالده محمد الخامس، معلمة تاريخية شيدت في القرن السادس للهجرة من طرف يعقوب المنصور. وإليها نُسب الحي المُجاور للمعلمة.

في الرباط، يُمكنك زيارة حي الملاح، حيث كان اليهود المغاربة، وأيضاً متحف الثقافة اليهودية، ومدينة شالة التي لوحدها تؤرخ لحقب متعددة من الرومان إلى المسلمين، لكن لن تصل إليها، إلا عبر المرور بشارع محمد الخامس، ذلك الكتاب المفتوح، حيث تلتقي السياسة والتاريخ، بالحب والرومنسية.

في الرباط، تجد مدينة الأوداية المورسكية، وحواري المدينة العتيقة، التي لا تختلف كثيراً عن نظيرتيها بفاس ومكناس، ليتختم يومك بجولة عبر قوارب وادي أبي رقراق، وربما عشاء فاخر بأحد مطاعم المدينة الحديثة، وليلة مريحة في فنادقها، فالرحلة طويلة نحو مدينة مراكش، عاصمة النخيل والبهجة، مدينة سبعة رجال.

مراكش.. دار البهجة و”الطنجية”..

قد تزور فاس ومكناس ومراكش، خلال أيام ثلاثة. لكن مراكش تستحق أكثر من ذلك، ولم لا، قد تُقرر الاستقرار فيها بشكل نهائي، وخاصة إن كنت قريباً من سن التقاعد.

كأن بها سحراً خاصاً، مُجرد استنشاق هوائها الجاف، تحس بالراحة والطمأنينة، أما إذا تحدثت إلى أهلها، فالنُكتة والفرحة والإقبال على الحياة عدوى تنتقل وإن كان هناك تباعد جسدي.

البداية من ساحة جامع الفناقلب المدينة النابض، إن كانت زيارتك صيفاً فالحياة لا تدب في شرايينه إلا ليلاً وتستمر حتى الفجر، على إيقاعات العروض الفلكلورية وقصص الحكواتيين التي يغلب فيها الخيال على الحقيقة. وأكيد، صور تذكارية مع الأفاعي والقردة التي ينتشر مروضوها بالساحة.

في مدينة مراكش مآثر عدة من الضروري زيارتها، كحديثة ماجوريل الخلابة، وقصر البديع التاريخي، مرورا بمسجد لكتبية وحدائق المنارة. قبل التوجه إلى الجبال المحيطة، حيث يحلو الطاجين المغربي، ولم لا طنجية أغرقت في الرماد لأكثر من عشر ساعات.

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الهجرة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *